الجمعة، 5 مايو 2023

( الصياد و عروس البحر ) للكاتبة زينب فاضل - مصر

 جمهوري الحبيب الحمد لله ربنا وفقني في كتابة رواية طويلة تحت الطبع واليوم انتهيت من كتابة نوڤيلا( حاجة مابين القصة القصيرة والرواية ) من ثلاث فصول ارجو انت تنال اعجابكم وإليكم الفصل الأول


         الفصل الأول


في قديم الزمان كانت هناك عروس بحر اسمها نور ،  تعيش داخل إحدى المحيطات الواسعة العميقة 

وكما تعلمون أن حورية البحر ، جزأها الأعلى يشبه النساء والجزء الأسفل يشبه الأسماك وهذا المزيج من الإنسان والأسماك يُمَكِّنها أن تعيش بالمياه أو على اليابسة .


كانت نور هذه يتيمة الأب والأم والإخوة والأخوات تعيش وحيدة بمفردها في أعماق محيط شديد الإتساع .


ورغم  جمال قاع المحيط بما فيه من أسماك عديدة ، متنوعة الأشكال ، زاهية الألوان ، مختلفة الأحجام ، وشعب مرجانية ونباتات تبهر الغواصين بمظهرها وتبهر من يشاهدها من خلال الصور الفوتوغرافية التي يلتقطها المختصون بعالم البحار

عالم آخر لا يدركه إلا الله سبحانه وتعالى

كانت نور عروس البحر لا يشغلها ولا يستهويها هذا العالم الآخاذ من حولها

كان يشغلها وِحدتها وهى تقاسي الفقد والحرمان من عطف الأهل والأحبة ، تبحث عن حنان تفتقده 

ظلت تجوب المحيط شمالا وجنوبا ، يمينا ويسارا ، ظلت تبحث سنوات وسنوات وصادفت وتعرَّفت على  الكثير من أحياء البحر الذين يودون القرب والنيل من قلبها وتِصادِقهُم لعلها تجد فيهم ما تبحث عنه لكنها سرعان ما تحس بالوحدة وهى معهم فتنعزل مرة أخرى .


ثم تجول وتصول باحثة من جديد عن من يفهمها ويعوضها عما تبحث عنه من اهتمام وحنان واحتواء وما زالت  تبحث وتبحث ولم تفقد الأمل ورغم كل الانكفاءات والعثرات عندما تنكسر بها عصا الزمن إلا أنها تنهض وتقوم من جديد لأن قلبها كربيع أخضر يعشق الحياة ، وفي يوم جال بخاطرها و راودتها فكرة الظهور على سطح الماء تبحث عن ضالتها في عالم الإنس طالما أنها لم  تعثر عليه في عالم البحار ، فقررت أن تظهر كل مساء تبحث في وجه الصيادين على مراكبهم الصغيرة والكبيرة ومَن هم على  الشُطآن 

ظلت تبحث عمن يلتقطها برفق كزهرة نَدية ويسقيها من ماء فؤاده ، وتنتظر  مَن يأتي يروي زهر قلبها التي أذبله الانتظار ، تبحث عمن يصونها  كلؤلؤة بحر في صدفاتها ..


وفي أحد الأيام المقمرة  خرج صياد مُتجهاً للشاطئ بحثاّ عن الرزق  اسمه محمود ، فخاض الماء بزورقه الصغير وفي عرض البحر توقف وألقى بشبكته وانتظر حتى تغوص ثم يقوم بسحبها ٠٠

وكعادتها كل مساء ظهرت على سطح الماء فإذا بعينها تقع على صياد كما البدر في  تمامه ، وسيم ما مثله اثنان ،  وضوء القمر يكشف عن تقاسيم وجهه التي تنم على بديع صنع الخالق ، أحور العينين يطل منهما  هدوء وراحة زادته فوق الجمال جمالا ، عينان ساحرتان تأخذ من يطوف بهما لعالم السحر والخيال ، و بهما من الحديث ما يستهوي وإن لم ينطق لسانه ، منفرج الأسارير ، وقور ثابت النفس ، طاغي البهاء 

 رأت في وجهه من حُسنٍ وبهاء ما خلع قلبها من صدرها ورماه في عالم الأحلام الوردية ،

فَلوَّحت له بيدها ولوّح لها ونظر إليها فأدهشه ما رأى من جمالها، رأى عروس بحر في ريعان شبابها شديدة الجمال ، رآها كزهرة الكاردينيا البيضاء الأنيقة ذات الراحة العطرية المميزة التي ترمز للنقاء ، والفرح ، والحب العميق ،  فصاح في نفسه بدهشة يالها من قمر الزمان !

فاقترب بزورقه منها وتبادلا الحديث وعرف أن اسمها نور وهى فعلا نور فبريق عينيها كأشعة الشمس تهدي التائه في ظلمات البحر والبرّ ،

 صوتها كعزف على أوتار جيتار  تسحر القلوب قبل الأذان ، نور يبعث الدفء في القلوب، ورائحة الأزهار تفوح منها تعطي آمالا لحياة حالمة بعيدة عن مرارة الواقع .

عرف محمود قصتها وقال لها مازحاً : أنت لؤلؤة بحر ولستِ عروس بحر

وستكونين لؤلؤة عمري القادم ولا حياة لي بدونك يا زهرة الكاردينيا فقد أطلق عليها هذا الاسم كاردينيا لنقاء وصفاء روحها .

ثم قال : بكِ سأروي عطش سنوات عمري الماضي والحاضر والآتي ، أنتِ هبة الله وعوضه عما لقيتُ وعما صبرتُ .

ومنذ عرفها محمود انتعشت روحه وانتعشت معيشته ورزقه من خيرات البحر ازداد وعندما يلقي الشبكة و يسحبها يجدها مليئة من خيرات البحر ،

فتفاءل بها كثيرا فكانت له فاسوخة الحظ من رزق مادي ومعنوي ..


 وعَرِفَت نور بعضا من حياة محمود وتعلق قلبها وكل وجدانها به حتى من قبل أن يتبادلا الحديث ،  فبمجرد سماع إسمه منه خفق قلبها مع كل حرف نطق به  ،  أحبته من أول لحظة وقعت عيناها عليه ، فسهام عينيه الآخاذة أخذتها لدنيا الحب التي طالما بحثت عنه ، 

وتواعدا كل مساء يأتي في نفس الموعد للقاء 

وصار لقاء وراء لقاء حتى اقترحت عليه أن يأخذها معه للبرّ ويتزوجا فهى لطبيعة تركيبتها الإنسية والبحرية تسطيع أن تعيش في اليابس كما تعيش بالماء

فوافقها محمود على ذلك ولكن طلب منها مهلة لتدبير أموره على البرّ .


وفي هذه المهلة كانا لا يفترقان أبداً ولم يتخلف محمود مرة عن موعده كل مساء يعيشان أجمل اللحظات من حبٍ وهيام ولا يَمِلَّان أبدا ً من اللقاءات المتكررة بل تزيدهم اشتياقا يوما عن يوم 

فحُسن وجمال نور الفذّ جعله لا يُطيق البُعد لحظة .


 كانت له نغم الحياة وكان لها الوتر ، كانت القيثارة وهو العازف يخرجان أعذب الألحان في عالم الحب الوردي ،  كانت قمره المضئ في سماء الحب وكان نجمها المنير في ليل مظلم .

أحبها بحجم سماء البر وأحبته بوسع الماء الذي تعيش فيه

كانا لبعضهما نسيم الحياة الذي يداعب شجر حبهما ويُحلي لهم العيش .

وتمضي الأيام على هذا الحال 

لكن تأتي الريح بما لا تشتهي الأنفس وتُحلق على حبهما من الإستمرار .


بقلمي / زينب فاضل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق