قصة قصيرة
رسائل غرام ليلية
انتظرته طويلا على طرف الشرفة المطلة على الشارع... بحثت عنه في كل الجهات... وهي حزينة.. شاردة... مضطربة.. دائمة الانتظار في ذلك المكان الذي أصبح جزءا من حياتها اليومية.
هناك من يراقبها بشفقة... بحزن... ويتساءل دائما... ماذا بها؟ هل ودعها حبيبها، وقال لها : انتظري عودتي...؟
كيف استطيع ان اساعدها، هو لا يكلمها، وهي لا تكلم أحدا.. لا يستطيع الاقتراب منها.
يخشى ان تنتبه له فتداري سرها، وتخفي مأساتها تحت رماد قلبها... عيناها مرج أخضر.... شعرها منسدل من الليل على ظهرها، فإن تكلمت همست، وإن تنهدت اهتزت تويجات الزهور في شرفتها، وإن ابتسمت وهذا نادر، فهي كشمس أشرقت بعد ليل طويل.
قرر ان يسهر معها... يؤنس وحدتها... يمنحها الدفء والحنان، الأمل، الصبر.
تمنت ان تجد صديقا مخلصا، تبوح له بمكنون صدرها... غير انه لم تنتبه لتضامنه وحيرته معها.. إذ كان يرعاها حتى يغلبها النعاس فتنام.
ذات مساء ابتعد واختبأ وراح يرقبها باهتمام... سمعها تبكي بصمت... أحس بدموعها الحارقة تكوي وجنتيها اللتين خط الزمن آثاره فوقهما حتى بدت كصحراء ذات أودية شتائية.
الحب يكبر في قلبها والشوق يزداد... والخوف يتنامى مع الحب.
كان يرقبها بشغف وهي تبكي بصمت جارح فتزداد جمالا.
ذات مرة سمعها تناجي حبيبها البعيد عنها... تبثه لواعج نفسها، وعدد سنوات العذاب، والغربة التي تفصل بينهما.
عرف انها عاشقة.. متيمة، والحبيب بعيد.
سمعها تشبه حبيبها بالقمر وحسنه ورقته كنسمات الربيع، وقامته كغصن البان، فأرسل دمعتين كادتا أن تسقط في شرفتها.
من يومها صمم أن يجوب البلاد طولا َوعرضا حتى يعثر عليه، و استغرقت رحلته أياما وأيام.. كان يرسل شعاعه في كل مكان عسى أن يجده في هدأة الناس.
وما ان مر فوق برج كبير، نوافذه صغيرة وابوابه سوداء، شعر بقشعريرة تسري في جسده، وكآبة أظلمت المكان، برهة
ثم استعاد رباطة جأشه، وادرك ان المكان يختلف عن ملتقى العشاق.
كان يدخل خلسة كل يوم إلى البرج ليتعرف على قصص الناس فيه.... فيجد خليطا من الحب والشوق.... من الغربة والقهر.... حدق بهم وأرسل شعاعا مميزا... توقف لحظات فبهر وجوه الساهرين.. نظر أحدهم... وصرخ مندهشا... ياالله... انظروا... هل لاحظتم شيئا على وجه القمر..؟!
حدق الجميع اكثر... وقالوا نعم... تنعكس عليه ملامح امرأة لا نعرفها..
قفز الشاب من مكانه وصرخ... انا اعرفها.. إنها هي، حبيبتي، هذه عيناها تذرفان بالدمع... وهذا قلبها يفيض بالشوق واللوعة.
تمنى ان يحتضن القمر الذي يحمل صورة حبيبته... لم ينتبه أن لهفته وشوقه.. وملامحه طبعت أيضا على وجه القمر بجانب ملامحها..
عاد القمر من رحلته... وتسلل ضوءه إلى ركنها المظلم، فأضاء المكان... انتفضت مذعورة من غفوتها... شعرت بدفء غير عادي يعتريها... نظرت إليه مذهولة.. وشهقت بصوت مخنوق... ماذا أرى... وجه حبيبي..؟!
كانت تريد أن تسأله عشرات الأسئلة... أين وجدته... متى وكيف...؟
لكن صوتها بقي حبيسا في صدرها... قرأت في وجهه شقاء سنوات عديدة، ولهفة للقاء طال انتظاره، وادركت انه يسهر معها الليالي الطويلة في الطرف الآخر من البلاد.
ومن يومها تنتظر صديقها المخلص حين ينام الجميع.... فتبثه شوقها وحنينها، وتحمله رسائل الحب والأمل.
حلب، إيمان كيالي