السبت، 3 أكتوبر 2020

( أنا في نعمة ) للكاتبة إيمان كيالي - سورية

 قصة قصيرة جدا

انا في نعمة 

صدفة دخلت أحد الصفوف أثناء زيارتي لإحدى المدارس، بينما انتظر المدير، أردت أن أستمع للطلاب همومهم ومشاكلهم ومعاناتهم في دراستهم، وكعادتهم في الشغب ردوا جميعا في آن واحد، فلم افهم شيئآ، فطلبت منهم التحدث واحدا واحدا. 

فقال الأول : أصبحنا في منتصف السنة وليس لدينا انسة جغرافيا. 

والثاني : نريد آنسة فيزياء. 

والثالث : آنسة الفرنسي تقرض بلسانها ولا نفهم منها شيئا. 

واخر طبلوج : نريد بائع سندويشات. 

واخر مسامير المقاعد تثقب لباسنا المدرسي. 


واخر : الحمامات بدون أبواب. 

واخر: لا نستطيع أن ندرس والنوافذ بدون زجاج. 

واخر : الإنارة ضعيفة في الشتاء، و.. الخ.

فسالتهم : لماذا تطلبون آنسة ولا تطلبون أستاذا رغم انكم مدرسة ذكور؟!

رجعوا لعادتهم وردوا جميعا : الآنسة تكون معنا متساهلة في التأخير او عدم كتابة الوظائف.

فطلبت منهم برفع ايديهم وانا اختار من يجيب. 

ولا ادري كيف خطر على بالي ان اسالهم : لماذا احد الشعراء قال في شعره للمرأة : قومي... انتفضي... ثوري... تمردي..؟!

الكل رفع يده للإجابة إلا واحدا، فقلت في نفسي : اكيد جوابهم التحرر من التخلف والجهل، لذا يجب أن اجعل الطالب الذي لم يرفع يده يشارك بالإجابة!!

فطلبت منه أن يقف، وسألته : لماذا لم ترفع يدك، الا تعرف الجواب.؟

فوقف بهدوء وفتح فمه ببطء شديد، والبصاق يتطاول بين شفتيه، وبقايا الاطعمة متراكمة على أسنانه الصفراء ترسم خريطة ، وقال : طالما الكل رفع يده، سيجاوب أحدهم، فلماذا اتعب نفسي، وانا لا أملك القدرة على القيام.

انجلطت منه لكني ابتسمت له وقلت : انا أحببتك ان تجاوبني انت. وأعدت عليه سؤالي، لماذا الشاعر قال في شعره للمرأة.. قومي.. انتفضي... ثوري... ؟

فنظر الطالب إلي بعيناه الناعستان، ورموشه المتلاصقة، بالكاد استطعت ان ارى لون عينيه البنيتين، وقال : لانه شافها طبنة.. شرنة.. كسلانة. 

وبدا الضحك ينفجر من أفواه باقي الطلبة، وتعليقاتهم الساخرة تتراشق هنا وهناك، وتتساقط على مسمعي كرشاش الرصاص الذي  اصم اذناي، خرجت كخروج المصاب من المعركة. 

عدت إلى بيتي وحنكي مجقوم من جوابه، وعيناي تدور كالدوامة بسرعة هائلة، وجسدي يرتجف، فحمدت الله اني لم أكن معلمة، اكتشفت  اني في نعمة ولا ادري !! 


حلب، إيمان كيالي

2/10/2020


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق